فصل: (الآية الأولى)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ}.
يجوز أن يكون في ترك مخاوضتهم في الباطل، ويجوز أن يكون قبل الأمر بالقتال.
قوله تعالى: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} الآية: 204.
قد اختلف الفقهاء في القراءة خلف الإمام.
فقال أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح: لا يقرأ فيما جهر ولا فيما أسر.
وقال مالك: يقرأ فيما أسر ولا يقرأ فيما جهر، وهو قول للشافعي، رواه المزني عنه.
وروى البويطي عنه، أنه يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة فيما يسر فيه، ولا يقرأ فيما يجهر فيه إلا بفاتحة الكتاب.
وإذا ثبت ذلك، كأن هؤلاء الفقهاء اتفقوا على أن الإنصات مأمور به، فإنا رأيناهم يأمرون بالإنصات فيما يجهر، ويتركون لأجله إما الفاتحة وإما السورة، أما أبو حنيفة ليس يترك القراءة خلف الإمام لغرض الاستماع فإنه يقول فيما أسر فيه الإمام لا يقرأ المأموم، ولأن عنده مقدار الواجب من القراءة آية حقيقة، وذلك يمكن قراءته بعد الإنصات وسماع قراءة الإمام، أو حال هوى الإمام إلى الركوع، ولم يقل أحد إنه يترك دعاء الاستفتاح لقوله: {وَأَنْصِتُوا}، ولا يترك تكبيرات الصلاة لقوله: {أَنْصِتُوا}، ولا أن أحدا يفهم من هذا، أن الواحد منا إذا كان يقرأ القرآن، فلا يجوز لغيره أن يقعد معه ويقرأ، ولا يجوز في المجلس الواحد أن يقرأ جماعة، كل واحد منهم يقرأ لنفسه، فإذا لم يكن للآية تعلق يمنع الناس من قراءة القرآن، لغرض استماع القرآن في غير الصلاة.
ولا للآية أيضا دلالة على منع قراءة الأذكار، لغرض استماع القرآن في الصلاة، فمن أين دلت الآية على منع القراءة، لا لغرض الاستماع مع إسرار الإمام في الصلاة؟
وقد اعتقد كثير من الناس أن هذه الآية نصا.
وقال عبد الجبار بن أحمد في كتاب فوائد القرآن، وهو مشهور بانتحال مذهب الشافعي في الفروع: إن دلالة ظاهر الآية قوية، وصرح بهذه العبارة التي ذكرناها في الفروع.
وعندنا أن من فهم معنى الآية، وفهم الوجوه التي ذكرناها، لا يرى للآية تعلقا بما نحن فيه، وللآية محامل:
منها أن الناس كانوا يكثرون اللغط والشغب في قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ويمنعون الأحداث من سماعها تعنتا وعنادا على ما حكى اللّه عن الكفار حيث قال: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}.
فأمر اللّه تعالى المسلمين حالة أداء الوحي، أن يكونوا على خلاف هذه الحالة، وأن يستمعوا، ومدح اللّه الجن على ذلك فقال: {وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}.
ويدل على ذلك أن اللّه تعالى أمر بالاستماع، وأمر بالإنصات بعده، فلا يخفى على عاقل أن الإنصات للاستماع، وإنما يجب الاستماع متى وجب الإسماع والتبليغ، وإنما وجب ذلك فيما ذكرناه من تبليغ الوحي، فأما ما يقرؤه الإنسان لنفسه، فلا تعلق له بذلك.
نعم، يندب المأموم إلى أن لا يجهر بالقراءة خلف الإمام إذا جهر، حتى لا تثقل عليه القراءة، فهذا هو القدر المندوب إليه، وإذا لم يجب على الإمام الإسماع، وليس في الاستماع غرض لأجله يجب الإسماع، فمن أين يجب الاستماع لما لا يجب إسماعه؟
ولو قال قائل مطلقا: لا يجب على المرء أن ينصت ويسمع قراءة القرآن، كان صدقا، وإنما هذا الذي قالوه في الصلاة.
ولئن قال قائل: إن الإنصات لتبليغ الوحي لا يختص بالقرآن، وكذلك إن حمل حامل الآية على الخطبة، فالاستماع للخطبة لا يختص بالقرآن، فالذي ذكرتموه يختص بلا دليل.
فيقال لهم: وأنتم أيضا خصصتم بلا دليل، فإنه قال: {وإذا قرئ القرآن}. وليس يجب الاستماع في غير الصلاة، فالذي ذكرتموه يخصّص بلا دلالة.
وقال كثير من أصحاب الشافعي: إن المأموم يتحرى وقت سكتة الإمام، وكان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سكتتان في صلاته، فإن تعذر ذلك فيقرأ وقت قراءته سرّا.
وقال آخرون منهم: معنى الإنصات، لا يجهر بالقراءة منازعا للإمام، وإذا أخفى ذلك لم يخرج عن الإنصات.
وقد قيل: المراد به السكوت، حتى لا يقرأ البتة إلا عند فراغ الإمام.
وقال هؤلاء: لأجل ذلك أمر المأموم بتأخير القراءة عن حال الجهر أو تقديمه، وذلك إجماع.
واعلم أن الذي يوجب تأخير القراءة، ليس يوجب بدليل الآية على وجوب استماع قراءة القرآن مطلقا، فإن دلالة الآية في الصلاة وغيرها واحدة، وإنما يقول ذلك ليجمع بين سماع المتدبرين وإنصات المعتبرين وقراءة المصلين، وإذا لم تكن القراءة في حالة سكتة الإمام، فالقراءة أولى، كما يكبر ويقرأ دعاء الاستفتاح، ولا يترك المفروض من القراءة لمكان فضيلة الجماعة، فهذا هو التأويل الظاهر.
وبالجملة، لا يخفى على عاقل أن اللّه سبحانه وتعالى إذا أمر بالاستماع.
والإنصات، فإنما أمر به ليكون داعيا إلى ترك باطل من اللهو والهزء وأشغال الدنيا، لا ليكون ذلك داعيا إلى ترك مفروض عند اللّه تعالى عز وجل، وهذا بين:
ويدل عليه ما روي عن محمد بن كعب القرظي قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا قرأ في الصلاة أجابه من وراءه، فإذا قال بسم اللّه الرحمن الرحيم، قالوا مثل ما يقول، حتى يقضي فاتحة الكتاب والسورة، فلبث ما شاء اللّه أن يلبث، فنزل قوله تعالى: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
وهذا يدل على أن المعين بالإنصات، ترك الجهر على ما كانوا يفعلون من مجاوبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم.
وقال قتادة: في هذه الآية: كان الرجل يأتي وهم في الصلاة فيقول: كم صليتم؟ كم بقي؟ فأنزل اللّه تعالى: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
وعن مجاهد قال: كانوا يتكلمون في الصلاة بحاجاتهم فنزل قوله: {وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. اهـ.

.قال القنوجي:

سورة الأعراف:
وآياتها مائتان وخمس أو ست آيات هي مكيّة إلا ثمان آيات، وهي قوله: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} إلى قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ}. قاله ابن عباس وابن الزبير، وبه قال الحسن ومجاهد وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد.
وقال قتادة: آية من الأعراف مدنية: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} وسائرها مكية.
وقد ثبت أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يقرأ بها في المغرب، يفرقها في الركعتين.

.[الآية الأولى]

{يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}.
{يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} هذا خطاب لجميع بني آدم وإن كان واردا على سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
والزينة: ما يتزين به الناس من الملبوس، أمروا بالتزيين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف.
وقد استدل بالآية على ستر العورة في الصلاة، وإليه ذهب جمهور أهل العلم، بل سترها واجب في كل حال من الأحوال، وإن كان الرجل خاليا، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، والكلام على العورة وما يجب ستره منها مفصل في كتب الفروع.

.[الآية الثانية]

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ} الزينة: ما يتزين به الإنسان، من ملبوس أو غيره من الأشياء المباحة، كالمعادن التي لم يرو نهي عن التزين بها، والجواهر ونحوها، وما قيل لها الملبوس خاصة فلا وجه له بل هو من جملة ما تشمله الآية، فلا حرج على من لبس الثياب الجيدة، الغالية القيمة، إذا لم يكن مما حرّمه اللّه، ولا حرج على من تزين بشيء من الأشياء التي لها مدخل في الزينة، ولا يمنع منها مانع شرعي، ومن زعم أن ذلك يخالف الزهد فقد غلط غلطا بينا.
وهكذا الطيبات من المطاعم والمشارب ونحوهما مما يأكله الناس، فإنه لا زهد في ترك الطيّب منها، ولهذا جاءت الآية هذه معنونة بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرّم ذلك على نفسه، أو حرمه على غيره.
وما أحسن ما قاله ابن جرير الطبري: لقد أخطأ من آثر لباس الصوف والشعر على لباس القطن، والكتّان مع وجود السبيل إليه من حله، ومن أكل البقول والعدس واختاره على خبز البر، ومن ترك أكل اللحم خوفا من عارض الشهوة.
{وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ}: أي المستلذات من الطعام، وقيل: هو اسم عام كسيا ومطعما.
{قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا}: أي أنها لهم بالأصالة والاستحقاق وإن شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة.
{خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ} أي مختصة بهم يوم القيامة، لا يشاركهم فيها الكفار.
قرأ نافع {خالصة} بالرفع، وهي قراءة ابن عباس على أنها خبر بعد خبر، وقرأ الباقون بالنصب على الحال.
قال أبو علي الفارسي: ولا يجوز الوقف على الدنيا لأن ما بعدها متعلق بقوله: {لِلَّذِينَ آمَنُوا} حال بتقدير {قُلْ هِيَ} ثابتة {للذين آمنوا في الحياة الدنيا} في حال خلوصها لهم يوم القيامة.

.[الآية الثالثة]

{قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33)}.
{قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ} جمع فاحشة، وهي كل معصية.
{ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ}: أي ما أعلن منها وما أستر، وقيل هي خاصة بفواحش الزنا! ولا وجه لذلك.
{وَالْإِثْمَ}: يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم، وقيل: هو الخمر خاصة، ومنه قول الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي ** كذاك الإثم يذهب بالعقول

وقد أنكر التخصيص جماعة من أهل العلم، وحقيقته أنه جميع المعاصي.
وقال الفراء: الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس. انتهى.
وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به.
{وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}: أي الظلم المجاوز للحد، وإفراده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنبا عظيما كقوله: {وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90].
{وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا} أي وأن تجعلوا للّه شريكا، لم ينزل عليكم به حجة، والمراد التهكم بالمشركين لأن اللّه لا ينزل برهانا بأن يكون غيره شريكا.
{وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33)}: بحقيقته، وأن اللّه قاله، وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى اللّه سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها.